[img]https://anaskhabir.yoo7.com/[/img]العالم (ستيفن هاوكنغ ) الذي حاول بشدة أن يحيد في تفسير الخالق للكون واعتبر أن ذلك الخلق ليس سوى سلسلة من المصادفات في كتابه "مختصر تاريخ الزمن" A Brief History of Time اعترف بالتوازن العجيب في معدل التمدد وقال: " إذا كان معدل التمدد بعد ثانية واحدة من الانفجار الكبير أصغر بمقدار حتى جزء واحد من مائة ألف مليون بليون، فالكون سينهار ثانية على نفسه قبل أن يصل إلى حجمه الحالي.[5] والسؤال الآن هو: على ماذا يدل مثل هذا التوازن الدقيق المميز كما تبين لنا من قبل ؟.. والجواب المقنع الوحيد على هذا السؤال هو أن تلك الدقة تبرهن على وجود تصميم مدرك، وأنه لا يمكن أن يكون ذلك مصادفة، ورغم أن الدكتور " ديفز " مادي ومتحمس لماديته إلا أنه يعترف بهذه الحقيقة قائلاً: " من الصعب أن نقاوم تركيب الكون الحالي، إذا يبدو أنه حساس جداً لتبديلات الأعداد، فهي تميل لأن تكون مدروسة بحذر شديد، وعلى ما يبدو فإن الطبيعة اختارت لثوابتها الأساسية قيماً عددية بتوافق إعجازي معها، بحيث تبقى الدليل الأكثر قوة في جوهر التصميم الكوني [6]
القوى الأربعة:
تعتبر سرعة الانفجار الكبير واحدة من الحالات المعتبرة للتوازن الدقيق منذ اللحظة الابتدائية للخلق، وفور وقوع الانفجار كانت القوى التي تشكل الكون الذي نعيش فيه مضبوطة عددياً بشكل صحيح تماماً، لأنه لو وجد أي خلاف عن ذلك فلن يكون هناك كون.
ميّزت الفيزياء الحديثة وجود أربع قوى أساسية تعمل في الكون، وكل تركيب وحركة في الكون تخضع لحكم تلك القوى وسيطرتها، وهذه القوى تعرف على أنه قوى الجاذبية الثقالية والقوة الضعيفة والقوة النووية القوية والقوة الكهرطيسية فهما محكومتان بتراكم الذرات، أي بكلمة أخرى محكومتان بالمادة، وهذه القوى الأربع كانت في حالة عمل فوري عقب الانفجار الكبير، وهي نتجت ورافقت خلق الذرات والمادة.
إن الهدف من مقارنة قيم هذه القوى هو تنوير دورها ومدى فعاليتها وبيان لقيمها والاختلافات المذهلة من واحدة لأخرى، ويعطي الجدول التالي تلك القيم بوحدات القياس العالمية:
قوة نووية قوية 15
قوة نووية ضعيفة 7.03×10 –3
قوة كهرطيسية 3.05×10 –12
قوة تجاذب ثقالية 5.90× 10 –39
لاحظ كم أن الفروق كبيرة في قوة تلك القوى الأساسية الأربع، وأن الفرق بين أقواها (القوى النووية القوية ) وأضعفها (قوة التجاذب الثقالية ) هو حوالي 52 متبوعة بـ 83 صفراً. فلماذا هذا الفرق ؟
|
عالم الأحياء الجزيئية (مايكل دينتون) ذكر نقطة هامة في كتابه " قدر الطبيعة وهي: لقد خلق الكون ونظّم بشكل يهدف إلى الحفاظ على حياة الإنسان " |
عالم الأحياء البيولوجية (ميشل دينتون ) Michael John Denton طرح هذا السؤال في كتابه " قدر الطبيعة " قائلاً:
" مثلاً إذا كانت قوة الجاذبية الثقالية أقوى بتريليون مرة فالكون سيكون غاية في الصغر وتاريخ حياته قصير جداً، فمن أجل نجم متوسط كتلته أقل بتريليون مرة منها للشمس فسوف لن تمتد حياته لحوالي سنة ومن ناحية أخرى إذا كانت الجاذبية الثقالية أقل طاقة فلن تتشكل نجوم ولا مجرات إطلاقاً، وكذلك فإن العلاقات الأخرى والقيم ليست أقل حدية من ذلك، فإذا ضعفت القوة القوية بمقدار قليل جداً فسيكون العنصر الوحيد المستقر هو غاز الهيدروجين ولن توجد ذرات لعناصر أخرى في هذه الحالة، وإذا كانت أقوى بقليل بعلاقتها مع الكهراطيسية عندئذ تحتوي نواة الذرة على بروتونين وسيكون ذلك مظهراً لاستقرار الكون عندئذ وأنه لن يحتوي على غاز الهيدروجين، وإذا تطورت نجوم أو مجرات فيه فسوف تكون تماماً عن طبيعتها الحالية. واضح أنه إذا لم يكن لتلك القوى المختلفة وثوابتها القيم التي أخذتها بالضبط فسوف لن يكون هناك نجوم ولا مستعرات ولا كواكب ولا ذرات ولا حياة "[7].
علق (باول ديفز) على كيفية تقديم قوانين الفيزياء شروطاً مثالية لحياة الناس:
|
بول ديفز:" ثمة أدلة قوية جداً تبين أن هناك تصميماً في الكون" |
ماذا لو اختارت الطبيعة وآثرت مجموعة أعداد تختلف قليلاً عما هي عليه فعلاً ؟..الجواب هو: أن العالم سيكون مكاناً مختلفاً تماماً، ونحن سوف لن نكون هنا لنراه، والاكتشافات الحالية المتعلقة بالكون البدائي يجبرنا على قبول أنه قد تم ضبط الحركة في الكون المتمدد بنظام ودقة مدهشة. [8]
كان العالمان (Arno Allan Penzias وRobert Woodrow Wilson)يعملان معاً اكتشفا الإشعاع الخلفي للكون (Cosmic microwave background radiation)وقد نالا على هذا الاكتشاف جائزة نوبل في عام 1965 وعلى ضوء اكتشافهما بوجود إشعاع خلفي للكون علق (بنزياس ) على التصميم الجميل للكون بقوله:
" يقودنا علم الفلك إلى حادثة فريدة ووحيدة لكون خلق وانبثق من لا شيء … و مصحوب بتوازن دقيق كان ضرورياً ليقدم الظروف المناسبة والتي تسمح بالحياة بالضبط..... فكان هذا الكون الذي نعيش فيه والذي صمم وفق مخطط خارق كما يقول البعض " [9]
العلماء الذي اقتبسنا بعضاً من أقوالهم للتو توصلوا إلى استنتاجات هامة من مشاهداتهم، فبالفحص والتفكير حول التوازنات اللامعقولة وكذلك ترتيبها الجميل في التصميم الدقيق والصارم للكون يقود الشخص إلى الحقيقة التالية وهي: يوجد في الكون تصميم أسمى وتناسق كامل، وبدون تردد فالمؤلف والمنفذ لهذا التصميم والتناسق هو الله، هو الذي خلق كل شيء بدون أي خلل، ولقد لفت الله انتباهنا في إحدى آياته إلى الترتيب والتخطيط و الحساب في تفصيل في خلق الكون: قال تعالى: ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان:2).
الحسابات الرياضية في الاحتمال تدحض الصدفة:
يوضح كل ما قيل سابقاً التوازنات الغريبة بين القوى التي جعلت حياة الإنسان ممكنة في هذا الكون، فسرعة انفجار الكبير وقيم القوى الأربعة الأساسية وكل المتحولات الأخرى التي سوف نتناولها بالدراسة في الفصول القادمة والتي هي حيوية للبقاء تم ترتيبها وفق دقة عالية غير عادية. والآن دعنا نصنع استطراداً مختصراً ونهتم بنظرية الصدفة التي تبنتها النظرية المادية:
الصدفة هي تعبير رياضي يمكن استخدامه في دراسة إمكانية وقوع حدث ما. و من الممكن حسابها باستخدام علم الرياضيات في فرع الاحتمال، ودعنا نفعل ذلك: لنأخذ في الحسبان المتغيرات الفيزيائية، ونتساءل عن الاحتمال القوي للكون الذي أعطانا الحياة والذي أتى إلى الوجود مع الصدفة ؟ فهل هو واحد في بليوناتت البليونات ؟ أو في تريليونات التريليونات ؟ أم أكثر من ذلك ؟؟
(روجر بنروز Roger Penrose ) وهو رياضي إنكليزي وصديق مقرب لـ (ستيفن هاوكنغ ) تساءل حول هذا الموضوع وحاول حساب الاحتمال لمثل تلك الصدفة وضمنه كل ما اعتبره متحولات ضرورية لبقاء الكائنات البشرية وحياتها على سطح كوكب مثل كوكبنا.