الرابط: مقالات ساخرة
محمد هجرس**
هذه الأيام.. أيام عيد .فبأيةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟ بالأضحية.. أم بالتضحية، لا فرق، الأولى مجرد "خروف" يعيد للذاكرة ـ إن وجدت ـ قصة الفداء الأولى، والثانية مجرد دماء يبدو أنها سالت هدراً طيلة أكثر من نصف قرن!
وما بين الاثنين، يُقال إن الشيطان حاور ذات مرّةٍ مواطناً عربياً محاولاً اكتشاف الأمور التي من الممكن أن تجعل هذا المواطن يثور، أو يعترض، أو يستنكر...قال له الشيطان: رفعت حوادث المرور أعداد المآسي في بلدك.فهز العربي رأسه غير مبالٍ: الله لا يردنا.. فنحن مجرد أرقام، تنزاحُ من على صدر الحكومات المتعاقبة!فعاد الشيطان: رفعت الحكومة الرواتب ولم يرفع مديرك راتبك.فقال العربي: نحمد ربنا.. يا ابن آدم، "اجري جري الوحوش.. غير رزقك لن تحوش"!فاستفزه الشيطان: رفعت الحكومة الضرائب والجمارك عن بعض السلع ولم يخفض التجار الأسعار؟هنا يمصمص العربي شفتيه قبل أن يعقب: وإيه يعني، دي حكومة، ودول تجارها، مالنا احنا! "ويا داخل بين البصلة وقشرتها.. ما ينوبك غير ريحتها"!
الشيطان: رفع العرب أيديهم عن الدفاع عن أنفسهم.
العربي: يا راجل.. أرْيَحْ! ومنذ متى دافعوا عن أنفسهم؟ هي مرة واحدة في 500 سنة، وبسلاح غير عربي كمان، على الأقل يحولوا ما ينفقوه على التسليح دون أن ينتصروا في أي حرب، لأشياء أخرى (لا أعرف هل هي بضم الهمزة أم بفتحها)!
فعاوده الشيطان مذكراً: طيب، ما شفت إخوانك العرب، رفعوا أيديهم عن أهالي غزّة وقعدوا يتفرجوا عليهم وهم محاصرين!فابتسم العربي وقال: جرى إيه يا عمنا، هو انت ما تعرفش حكمة جحا.. "ما دام بعيد عن (........) خلاص..
ملّ الشيطان من بلادة هذا الذي أمامه، وأراد أن يغير الموضوع فقال: عندي لك خبر وحش.. رفع الهواء دون قصد تنورة أختك!فاستشاط العربي وصرخ وهو يجري: والله لأطخها وأطخه…. صحيح بنت قليلة الحيا وعديمة شرف.ومن يومها..صار الشرف غالي … والهوى غلاب!
***
ما بين "الشرف" الغالي جداً و"الهوى" الغلاب جداً.. تتلخص المأساة الفلسطينية.."حماس واليهود.. وجهان لعملة واحدة"بهذه العبارة افتتح موقع فلسطيني شهير، بوابة الدخول إليه، مختومة بصورة تجمع ما بين الحاخام الصهيوني عوفاديا يوسف وأحد مسؤولي الحركة..
أصارحكم القول: لقد احتقرت نفسي، وأنا أرى هذه الصورة المخجلة، فالشيطان الذي أبدع في تصوير الخلاف وتأجيجه على هذا النحو، قادر بكل تأكيد على استثمار المواقف وتحويرها، ليجعل من فصيل فلسطيني ـ ايا كان ـ في النهاية مجرد وجه آخر للعدو.. وهنا الكارثة!بعيداً عن منطق التقسيم الذي يجري، وسكاكين التخوين التي "تُسنُّ" على قدمٍ وساق، لاقتياد "الخراف الضالة" كما يقول متطرفو الحركة اليهودية،
إلا أن مشوار النضال الذي راح ضحيته فلسطينيون كثر، بات واحداً من أسخف "المقالب" التي تعيشها مسيرة نضالية كان لها بريقها وضحاياها.المقالب التي اخرجت رئيس السلطة (بتشديد السين وضمها) عن كل معايير المسؤولية الوطنية ـ في هذه المرحلة على الأقل ـ ليقول أو يقرر، إن "حماس انضمت إلى كفار قريش والقرامطة" الذين نقلوا الحجر الأسود، من مكانه بالكعبة المشرفة إلى واحة الأحساء (شرقي المملكة العربية السعودية) لمدة تزيد عن 20 عاماً.
المصيبة أن عباس، أدلى بهذا التصريح الصحفي ـ لجريدة عكاظ السعودية السبت 6/12/2008 ـ وهو يرتدي ثياب الإحرام، وهو في طريقه للمشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج!.. وربما يخرج علينا مسؤول في الأيام المقبلة ليقول إن فخامة الرئيس كان يؤدي الفريضة نيابة عن هؤلاء الممنوعين!فماذا يعني هذا؟
رئيس يخطو بثوب الإحرام، ويتهم فلسطينيين آخرين بأنهم مثل كفار قريش، فيما مواطنون أبرياء عوقبوا بعدم السماح لهم بالحج من قبل حركة حماس التي أخطأت خطأًً تاريخياً وتحملت مسؤولية منع هؤلاء الحجيج من أداء الفريضة،. بزعم التصارع على من يحق له إعطاء التأشيرات!
***
مهزلة أن تكون نتيجة الصراع على كرسي مهلهل بهذا الشكل؟ومصيبة أن يشعر الشهداء في قبورهم بأن حصيلة دمائهم وأرواحهم تتلخص فيمن يعطي تأشيرة، كل يعرف مسبقاً أن كل فريق يختص بها أتباعه فقط، أما الشعب المسكين سواء في جمهورية رام الله، أم في إمارة غزة، فهو وحده من يدفع الثمن الفادح؟ ويتفرق دمه بين الفصائل!
***
يتفرق دمه بين الفصائل إذاً..ولا سيف ينهي المشكلة..ولا صوت يعلو على صوت "المسخرة"!المسخرة التي تعيد للأذهان الحكاية الشعبية القديمة، حول الثعلب والثعلب فات فات..وف ديله سبع لفات والدبة وقعت في البير..وصاحبها راجل (........)أكملوا أنتم الباقي وبينما تفعلون ذلك لا تلقوا المسؤولية على البنت إياها
الشرف غالي.. والهوا غلاب
طخه يا بووووووووووووي!
** كاتب صحافي مصري
mediasoso@yahoo.com